Thursday, March 29, 2007

بين التربية والاعلام

مقدمة

كل ما في الإنسان معجز مدهش تتجلى فيه عظمة الباري وقدرة الصنع والإبداع الإلهي الرائع.. غير أن امتلاك الإنسان للعقل والنطق هو من أعظم آيات الله في هذا الكائن العجيب. وكما هو واضح فان التفكير والقدرة على البيان والإفصاح عما في النفس ونقل الأفكار إلى الآخرين هي العناصر الأساسية في بناء الحياة والروابط الاجتماعية، وتكوين المدنية والنسيج الحضاري.والقرآن يقرر أن الإنسان زوّد بالقدرة على اكتساب المعارف عن طريق الحواس لاسيما السمع والبصر والعقول. ومنح إمكانية نقل تلك المعلومات التي حصل عليها إلى الآخرين ليتسلموها عن طريق السمع والبصر وغيرها من وسائل التلقي. وبذا يتم التأثير على الآخرين ونقل المعلومات إليهم، ربما وإقناعهم بما يريد. فعن طريق السمع والبصر تتم الاستفادة من الكلمة والصورة.

أسباب نشوء الدعاية و الإعلام

نتيجة لأسباب عديدة: عقيدية وسياسية واقتصادية ونفسية وأمنية وعسكرية...الخ، احتاج الإنسان إلى الدعاية والإعلام لنقل أفكاره ومتبنياته ومراده إلى الآخرين، فاستخدم الخطابة والكتابة والصورة بإشكالها البدائية. وبعد أن تطورت العلوم والمعارف والقدرة التصنيعية للإنسان كانت التقنية الإعلامية إحدى أبرز الانجازات التي اعتنى الإنسان بتطويرها، لاسيما بعد أن استخدم الإعلام أداة أساسية في الصراع الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري.

البصمات الإعلامية في حياتنا المعاصرة
لقد ترك الإعلام أثره في الحياة البشرية كلها، لاسيما بعد صنع الورق، واختراع الطباعة والراديو والتلفزيون والسينما والفيديو...الخ. ونستطيع أن نتصور ضخامة العمل الإعلامي وقدرته التأثيرية إذا عرفنا أن إحصائيات (46)اليونسكو لعام 1979م تشير إلى أن هناك نحو مليار ومائتي مليون جهاز راديو. وأن هناك نحو عشرين ألف محطة إرسال تبث برامجها على مختلف الموجات.وان عدد محطات الإرسال التلفزيوني في العالم قد بلغ عام 1979م (412/28) محطّة. وأنّ عدد الأجهزة التلفزيونية قد بلغ (500/902/453) جهازاً. ويمكن تخمين الزيادة والتطور الحاصل في هذا الهيكل الإعلامي العملاق في يومنا هذا من هذه الإحصائية، آخذين بنظر الاعتبار التطور التقني العام، وزيادة الدخل، ودخول الإسلام كمشروع حضاري ودعوة سياسية وفكرية إلى جانب ما يحمل من عقيدة وعبادة، ومنهاج أخلاقي وسلوكي يصارع الحضارة المادية والأفكار والنظريات الغربية ذات الإمكانات الإعلامية والتقنية الهائلة.

الإعلام علم وفن

إن الإعلام علم وفن له خبراؤه وأجهزته والمختصون به، لذا فان الإعلام يقوم على أساس التخطيط وتجنيد العلوم والمعارف: كعلم النفس والاجتماع والأدب والفن وعلم الجمال والفيزياء...الخ، لتحقيق أهدافه بالوصول إلى أعماق الإنسان، وتبليغ رسالته التي يحملها إليه. لقد أصبح الإنسان يعيش في ظل العمل الإعلامي طوال يقظته وحركته اليومية.فالراديو والتلفزيون والجريدة والنشرة والملصق الجداري والفيديو والسينما وجهاز التسجيل ودعاة الأفكار المختلفة..الخ كلها وسائل تعمل على توجيه فكره ومشاعره، وتكوين شخصيته، وإقناعه بما يخطط ويراد، من فكر وسلوك وثقافة وقناعة، والعمل الإعلامي نشاط فكري ينطلق من أسس عقيدية ونظرية سياسية; لذا يشكل الإعلام بأجهزته المختلفة إحدى أبرز المؤسسات التربوية والتوجيهية في المجتمع. بل وربما تفوّق تأثيره على تأثير الأسرة والمدرسة.

دور الجهاز الإعلامي كمربي
الطفل والناشئ والمراهق ـ كما تقرر الدراسات العملية ـ لديهم الاستعداد للتقبل والتلقي أكثر من غيره لاسيما وان الصورة الإعلامية المتحركة والمدروسة التي يعرضها التلفزيون والفيديو والسينما قادرة على التفاعل مع وجدان هذا المشاهد ومشاعره وإثارة أهدافها الايجابية أو السلبية في نفسه. وهكذا يكون الجهاز الإعلامي في المجتمع هو أحد المربين ومصممي شخصية الإنسان، والمنافسين الأقوياء للإباء على أبنائهم وشريكاً في تربية الجيل مع الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية والسياسية الأخرى.من هنا كانت مسؤولية الدولة والمؤسسات التي توجه الجهاز الإعلامي أن تجعله أداة للإصلاح، غير أن الحقيقة المؤسفة التي يواجهها جيل الأطفال والناشئين والمراهقين أن وسائل الإعلام سيما التلفزيون الذي أصبح أحد أفراد العائلة، والذي صادر ـ والى حد كبير ـ دور الأبوين التربوي، يوجه وفق خطط وبرامج في معظم العالم الإسلامي لحرف الجيل المسلم عن قيمه وأخلاقه وسلوكيته. بل وتسعى وسائل الإعلام غير الإسلامية لتصميم شخصية الإنسان المسلم وفق نظريات وفلسفات مادية لانتزاع الهوية الإسلامية من الجيل الإسلامي. ولكي يصون الآباء أبناءهم من الهيمنة الدعائية المخططة ضدّهم، عليهم مراقبة الشاشة التلفزيونية والفيلم الذي يعرضه جهاز الفيديو أو شاشة السينما قبل أن يسمحوا لأبنائهم بمشاهدته.كما أنهم مسئولون عن مراقبة الكتاب والمجلة والصحيفة التي يقرؤها أبناؤهم الناشئون.ولكي تواجه المؤسسات الإسلامية التي تعتني بالدعوة إلى الإسلام والأحزاب والمنظمات والمراكز الثقافية والصحافة الإسلامية...الخ، لكي تواجه هذه المؤسسات الإسلامية الحرب الإعلامية ضد الفكر الإسلامي والشخصية الإسلامية، عليها أن تطوّر عملها الإعلامي بإنشاء مؤسسات البث التلفزيونية في البلاد التي يسمح فيها بامتلاك هذه المؤسسات.وإنشاء دور النشر والمؤسسات والشركات التي تنتج الكتاب ومجلة الطفل والبرامج التلفزيونية وأفلام الفيديو والسينما التي تحمل الفكر والثقافة والتوجيه الإسلامي وبمستويات متفاوتة. ونشرها بأسعار متهاودة ومنافسة. كما أن الاهتمام بنشر الفكر والثقافة والأدب الإسلامي عن طريق الشريط المسجل عمل له مردوداته وأثاره التربوية لدى الناشئين. إن مثل هذا العمل الإعلامي الكبير يحتاج إلى شركات تعاونية ومؤسسات خيرية وأخرى تجارية تجعل همها نشر الفكر والتربية والتوجيه الإسلامي.وهكذا نفهم قيمة الإعلام التربوي وأهميته في الحياة، ونجد أنفسنا ملزمين بتوجيه العمل الإعلامي والتنسيق بينه وبين فلسفة التربية وأهدافها العامّة في الحياة.

No comments: